فصل: قال ابن كثير:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن كثير:

عن عدِيّ بن عُميرَة الكندي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَأَيُّهَا النَّاسُ، مَنْ عَمِلَ لَنَا مِنْكُمْ عملا فكَتَمَنَا مِنْهُ مِخْيَطا فَمَا فَوْقَهُ فَهُوَ غُلُّ يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قال: فقال رجل من الأنصار أسود- قال مُجَالد: هو سعيد بن عبادة- كأني أنظر إليه، فقال: يا رسول الله، اقبل عني عملك. قال: «وَمَا ذَاك؟» قال: سمعتك تقول كذا وكذا. قال: «وَأَنا أقُولُ ذَاكَ الآن: مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئ بِقَليلِهِ وَكَثِيرِه، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَهُ. وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى». وكذا رواه مسلم، وأبو داود، من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد، به.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية، حدثنا أبو إسحاق الفَزَاري، عن ابن جُرَيج، حدثني منبوذ، رجل من آل أبي رافع، عن الفضل بن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبي رافع قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلّى العصر رُبَّما ذهب إلى بني عبد الأشهل فيتحدث معهم حتى ينحدر المغرب قال أبو رافع: فبينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مسرعًا إلى المغرب إذ مر بالبقيع فقال: «أُفٍّ لَكَ.. أُفٍّ لَكَ» مرتين، فكبر في ذرعي وتأخرت وظننت أنه يريدني، فقال: «مَا لَكَ؟ امش» قال: قلتُ: أحدثت حدثا يا رسول الله؟ قال: «وَمَا ذَاكَ؟» قلت: أفَّفْتَ بي قال: «لا وَلَكِنْ هَذَا قَبْرُ فُلانٍ، بَعَثْتُهُ سَاعِيًا عَلَى آلِ فُلانٍ، فَغَلَّ نَمِرَة فَدُرِعَ الآنَ مِثْلَهُ مِنْ نَارٍ».
حديث آخر: قال عبد الله بن الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن سالم الكوفي المفلوج- وكان بمكة- حدثنا عُبَيْدة بن الأسود، عن القاسم بن الوليد، عن أبي صادق، عن ربيعة بن ناجد، عن عبادة بن الصامت، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الوبرة من جنب البعير من المغنم، ثم يقول: «مَا لِيَ فِيهِ إلا مِثْلَ مَا لأحَدِكُمْ، إيَّاكُمْ والْغُلُولَ، فَإنَّ الْغُلُولَ خزْي عَلَى صَاحِبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أدُّوا الخَيْطَ والمِخْيَطَ وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ، وَجَاهِدُوا فِي سبيل الله الْقَرِيب والْبَعِيدَ، في الْحَضَرِ والسَّفَرِ، فإنَّ الجِهَادَ بَابٌ مِنْ أبْوَابِ الْجَنَّةِ، أنه لَيُنْجِي اللهُ بِهِ مِنَ الْهَمِّ والْغَمِّ؛ وأقِيمُوا حُدُودَ اللهِ فِي الْقَرِيبِ والْبَعِيدِ، وَلا تَأْخُذُكُمْ فِي اللهِ لَوْمَةُ لائمٍ». وقد روى ابنُ ماجه بَعْضَه عن المفلوج، به.
حديث آخر: عن عَمْرو بن شُعَيب، عن أبيه، عن جدِّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رُدُّوا الْخِيَاط وَالْمِخْيَطَ، فَإنَّ الْغُلُولَ عَارٌ وَنارٌ وَشَنَارٌ عَلَى أهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
حديث آخر: قال أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن مُطَرِّف، عن أبي الجَهْم، عن أبي مسعود الأنصاري قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعيًا ثم قال: «انْطَلِقْ- أَبَا مَسْعُودٍ- لا أُلْفِيَنَّكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَجِيءُ عَلَى ظَهْرِكَ بَعِيرٌ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ لَهُ رُغَاءٌ قَدْ غَلَلْتَهُ». قال: إِذًا لا أَنْطَلِقُ. قال: «إِذًا لا أُكْرِهُكَ». تفرد به أبو داود.
حديث آخر: قال أبو بكر بن مَرْدُويَه: أنبأنا محمد بن أحمد بن إبراهيم، أنبأنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، أنبأنا عبد الحميد بن صالح أنبأنا أحمد بن أبان، عن علقمة بن مَرْثَد، عن ابن بُرَيدة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ الْحَجَرَ لَيُرْمَى بِهِ فِي جَهَنَّمَ فَيَهْوِي سَبْعِينَ خَرَيِفًا مَا يَبْلُغُ قَعْرَهَا، وَيُؤْتَى بِالْغُلُولِ فَيُقْذَفُ مَعَهُ، ثم يُقَالُ لَمَنْ غَلَّ ائْتِ بِهِ، فَذَلِكَ قوله: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.
حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا عِكْرِمة بن عمار، حدثني سماك الحَنفي أبو زُميل، حدثني عبد الله بن عباس، حدثني عُمَر بن الخطاب قال: لما كان يومُ خَيْبَر أقبل نَفَر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: فلان شهيد، وفلان شهيد. حتى أَتوْا على رجل فقالوا: فلان شهيد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كَلا إنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا- أو عَبَاءَةٍ».
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يَا ابْنَ الْخَطَّابِ اذْهَبْ فَنَادِ فِي النَّاسِ: أنه لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلا الْمُؤْمِنُونَ». قال: فخرجت فناديت: ألا أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون.
وكذا رواه مسلم، والترمذي من حديث عكرمة بن عمار به. وقال الترمذي: حسن صحيح. اهـ.

.قال الألوسي:

وظاهر الآثار يدل على أن الإتيان على ظاهره والاستبعاد غير مفيد وقد وقع ما يشعر بالاستبعاد قديمًا فقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة أن رجلًا قال له: أرأيت قول الله تعالى: {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القيامة} هذا يغل ألف درهم وألفي درهم يأتي بها أرأيت من يغل مائة بعير أو مائتي بعير كيف يصنع بها؟ ا قال: أريت من كان ضرسه مثل أحد وفخذه مثل ورقان وساقه مثل بيضاء ومجلسه ما بين الربذة إلى المدينة ألا يحمل مثل هذا، وورد في بعض الأخبار أن الإتيان بالغلول من النار فحينئذٍ يكون في الآية حذف أي يأت بما غل من النار، فقد أخرج ابن مردويه والبيهقي عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الحجر ليزن سبع خلفات فيلقى في جهنم فيهوي فيها سبعين خريفًا ويؤتى بالغلول فيلقى معه ثم يكلف صاحبه أن يأتي به وهو قول الله عز وجل: {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القيامة}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنه قال لو كنت مستحلًا من الغلول القليل لاستحللت منه الكثير ما من أحد يغل إلا كلف أن يأتي به من أسفل درك جهنم، وقيل: الإتيان به مجاز عن الإتيان بإثمه تعبيرًا بما عمل عما لزمه من الإثم أي يأت بما احتمل من وباله وإثمه واختاره البلخي وقال: يجوز أن يكون ما تضمنته الأخبار جاء على وجه المثل كأن الله تعالى إذ فضح الغال وعاقبه العقوبة الشديدة جرى مجرى أن يكون آتيًا به وحاملًا له وله صوت، ولا يخفى أن جواب أبي هريرة للرجل يأبى هذا التأويل.
وقيل: إن المعاني تظهر في صور جسمانية يوم القيامة كما يؤذن بذلك خبر مجئ الموت في صورة كبش وتلقى القرآن صاحبه في صورة الرجل الشاحب حين ينشق عنه القبر إلى غير ذلك.
وقد ذكر غير واحد أنه لا يبعد ظهور الأعمال من الطاعات والمعاصي بصور تناسبها فحينئذٍ يمكن أن يقال: إن معصية كل غال تظهر يوم القيامة في صورة غلوله فيأتي بها هناك، وعليه تكون الأخبار على ظاهرها من غير حاجة إلى ارتكاب التمثيل، وجواب أبي هريرة لا يأباه، وإلقاؤه في النار أيضا غير مشكل وأهل الظاهر لعلهم يقولون: أنه يلقى من غير تعذيب، وبتقديره لا محذور أيضا فيه لأن الله تعالى لا يجب عليه شيء، وقد ورد في بعض الأخبار أنه تعالى يخلق خلقًا حين قول جهنم: {هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [ق: 30] فيضعهم فيها ومع هذا وتسليم صحة الخبر لابد من القول باستثناء بعض الغلول عن الإلقاء إذ قد يكون الغلول مصحفًا ولا أظن أحدًا يتجاسر على القول بإلقائه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

ومن اللَّطائف ما في البيان والتبيين للجاحظ: أنّ مَزْيَدًا رجلًا من الأعراب سرق نافجة مسك فقيل له: كيفَ تسرقها وقد قال الله تعالى: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة}؟ فقال: إذَنْ أحمِلُها طيّبةَ الريح خفيفة المحمل.
وهذا تلميح وتلقي المخاطب بغير ما يترقّب.
وقريب منه ما حكي عن عبد الله بن مسعود والدرك على مَن حكاه قالوا: لمّا بعث إليه عثمان ليسلم مصحفه ليحرقه بعد أن اتَّفق المسلمون على المصحف الَّذي كُتب في عهد أبي بكر قال ابن مسعود: إنّ الله قال: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} وإنِّي غالّ مصحفي فمن استطاع منكم أن يَغُلّ مصحفه فليفعل.
ولا أثق بصحَّة هذا الخبر لأنّ ابْن مسعود يعلم أنّ هذا ليس من الغلول. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من فوائد القرطبي:
قال رحمه الله:
قوله تعالى: {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القيامة} أي يأتي به حاملًا له على ظهره ورقبته، مُعذّبًا بحمله وثِقَله، ومَرعُوبًا بصوته، ومُوَبَّخًا بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد؛ على ما يأتي.
وهذه الفضيحة التي يُوقعها الله تعالى بالغالّ نظيرُ الفضيحة التي توقع بالغادر، في أن يُنصب له لِواء عند استه بقدر غَدْرَته.
وجعل الله تعالى هذه المعاقبَات حَسْبَما يَعْهَدَهُ البَشرَ ويَفْهَمُونه؛ ألا ترى إلى قول الشاعر:
أَسُمَيّ ويْحَكِ هَلْ سَمِعتِ بِغَدْرَةٍ ** رُفِعَ اللوَاءُ لنا بها في المَجْمَعِ

وكانت العرب ترفع للغادِرِ لِواءً، وكذلك يُطافُ بالجاني مع جِنايته.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فذكر الغُلُول فعظّمه وعظّم أمره ثم قال: «لا أُلفِيّن أحَدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بَعِيرٌ له رُغاء يقول يا رسول الله أغِثْني فأقول لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك لا ألفِيّن أحدكم يجيء يوم القيامةِ على رقبته فرس له حَمْحَمَة فيقول يا رسول الله أغِثنِي فأقول لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك لا ألفِيّن أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثُغاء يقول يا رسول الله أغِثنِي فأقول لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك لا ألفِين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نَفسٌ لها صِياح فيقول يا رسول الله أغثنِي فأقول لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك لا ألفِيّن أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رِقاع تخفِق فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك لا ألفِيّن أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامِت فيقول يا رسول الله أغِثنِي فأقول لا أملك لك شيئًا قد أبلغتك».
وروى أبو داود عن سَمرُة بن جُنْدُب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصاب غنِيمة أمر بِلالًا فنادى في الناس فيجيئون بغنائمهم فيخْمُسُه ويقسمه، فجاء رجل يومًا بعد النداء بزِمام من الشّعَر فقال: يا رسول الله هذا كان فيما أصبناه من الغنيمة.
فقال: «أسمعت بِلالًا ينادي ثلاثًا»؟ قال: نعم.
قال: «فما منعك أن تجيء به»؟ فاعتذر إليه.
فقال: «كلا أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقْبَلَه منك».
قال بعض العلماء: أراد يُوافَى بوزر ذلك يوم القيامة، كما قال في آية أُخرى: {وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ على ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [الأنعام: 31].
وقيل: الخبر محمول على شهرة الأمر؛ أي يأتي يوم القيامة قد شَهّر الله أمره كما يُشهّر لو حَمل بعِيرًا له رُغاء أو فرسًا له حَمْحَمَةٌ.
قلت: وهذا عُدولٌ عن الحقيقة إلى المجاز والتّشبيه، وإذا دَار الكلامُ بين الحقيقة والمجاز فالحقيقة الأصل كما في كُتُب الأُصول.
وقد أخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم بالحقيقة، ولا عِطْرَ بعد عَرُوس.
ويُقال: إنّ مَن غَلّ شيئًا في الدنيا يُمَثَّلُ له يومَ القيامة في النار، ثم يُقَالُ له: انزل إليه فَخُذْه، فيَهبِطُ إليه، فإذا انتهى إليه حَمَلَه، حتى إذا انتهى إلى الباب سَقَط عنه إلى أسفل جَهَنّم، فَيرجِعُ إليه فيأخُذُه؛ لا يَزالُ هكذا إلَى ما شَاءَ الله.
ويقال: {يأْتِ بِما غَلّ} يعني تَشْهدُ عليه يَومَ القِيامَة تِلْك الخِيَانَةُ والغُلولُ.
قال العلماء: والغُلولُ كبيرةٌ من الكبَائر؛ بِدليل هذه الآية وما ذَكَرْنَاهُ من حديث أبي هُرَيْرَةَ: أنه يَحْمِلُه عَلَى عُنُقِه.
وقد قال صلى الله عليه وسلم في مُدْعِم: «والذي نفسي بيده أن الشَّمْلة التي أخذ يوم خَيْبَرَ من المغانم لم تُصبها المقَاسم لتشتعل عليه نارًا» قال: فلما سمع الناس ذلك جاء رجل بِشراك أو شِراكين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شِراكٌ أو شِراكان من نار» أخرجه الموطّأ.
فقوله عليه السلام: «والذي نفسي بيده» وامتناعه من الصلاة على من غَلّ دليلٌ على تعظيم الغُلول وتعظيم الذنب فيه وأنه من الكبائر، وهو من حقوق الآدميّين ولابد فيه من القصاص بالحسنات والسيئات، ثم صاحبه في المشيئة.
وقوله: «شِراكٌ أو شِراكان من نار» مثل قوله: «أدُّوا الخِياط والمِخْيَط».
وهذا يدل على أن القليل والكثير لا يحلّ أخذُه في الغَزْوِ قبل المقَاسم، إلا ما أجمعوا عليه من أكل المطاعم في أرض الغَزْو ومن والاصطياد والاحتطاب.
وقد رُوي عن الزُّهْرِيّ أنه قال: لا يؤخذ الطعام في أرض العدوّ إلا بإذن الإمام.
وهذا لا أصل له؛ لأن الآثار تخالفه، على ما يأتي.
قال الحسن: كان أصحابُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إذا افتتحوا المدينةَ أو الحِصْن أكلوا من السَّوِيق والدقيق والسّمن والعسل.
وقال إبراهيم: كانوا يأكلون من أرض العدوّ الطعامَ في أرض الحرب ويعلِفون قبل أن يَخْمسُوا.
وقال عطاء: في الغزاة يكونون في السّرِيّة فيصيبون أَنْحاء السمن والعسل والطعام فيأكلون، وما بَقِي ردُّوه إلى إمامهم؛ وعلى هذا جماعة العلماء.
وفي هذا الحديث دليلٌ على أن الغالّ لا يُحرق متاعه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُحْرِق متاع الرجل الذي أخذ الشّملة.
ولا أحْرَقَ متاع صاحبِ الخَرَزات الذي ترك الصلاةَ عليه، ولو كانت حرق متاعه واجبًا لفعله صلى الله عليه وسلم، ولو فعله لنُقل ذلك في الحديث.
وأما ما رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا وجدتم الرجل قد غَلّ فأحرقوا متاعَه واضربوه» فرواه أبو داود والترمذيُّ من حديث صالح بن محمد بن زائدة، وهو ضعيف لا يُحتجّ به.
قال التِّرمذيّ: سألت محمدًا يعني البخاريّ عن هذا الحديث فقال: إنما رَوى هذا صالح بن محمد وهو أبو واقد الليثي وهو منكَر الحديث.
وروى أبو داود أيضا عنه قال: غزونا مع الوليد بن هِشام ومعنا سالم بن عبد الله بن عمر وعمر بن عبد العزيز، فغَلّ رجل متاعًا فأمر الوليد بمتاعه فأحرق، وطِيف به ولم يُعطِه سهمه.
قال أبو داود: وهذا أصح الحديثين.
وروى من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر حَرّقوا متاع الغالّ وضربوه.
قال أبو داود: وزاد فيه عليّ بن بحر عن الوليد ولم أَسْمعْهُ منه: ومَنَعُوه سهمه.
قال أبو عمر: قال بعض رواة هذا الحديث: واضرِبوا عنقه وأحرِقوا متاعه.
وهذا الحديث يدور على صالح ابن محمد وليس ممن يُحتجّ به.
وقد ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يَحِلّ دَمُ امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث» وهو ينْفِي القتل في الغلول.